حاطب ليل (عبد اللطيف البوني)

حاطب ليل
طالعني الخلا

جاء في الأثر النبوي الشريف ان كل الذنوب تؤخر إلى يوم القيامة إلاّ عقوق الوالدين فانه يعجل لصاحبه في الحياة الدنيا. وجاء في اثر آخر اسرع الخيل ثواباً صلة الرحم. إذاً ومن خلال هذين الاثرين يمكننا ان نجتهد بإعمال نهج القياس ونقول إنه حتى المداعبات البريئة الحميدة منها وغير الحميدة للوالدين سوف يجدها المرء في الحياة الدنيا إذ تحضرني قصة شخصية هنا فنحن في سن الطفولة كان والدي يأتي من الحواشة وفي رجليه كمية من الشوك «شوفوا المشقة دي كيف؟؟»، فكان ينادينا انا وشقيقتي التي تكبرني «حاجة اسماء الآن»، كي نخرج له الشوكات بعد ان يعجز عن ذلك بنفسه، حيث كان يخطئ في وضع الابرة في موضع الشوكة، وكنا نضحك على ذلك ضحكاً مكتوماً، فانا اليوم كلما حاولت ان اشحن الجوال بالاسكراتش اعجز عن ذلك فالشغلانة بالنسبة لي مملة وتحتاج إلي تركيز فأنادي أحد أبنائي كي يقوم بذلك فاصبح ذلك مصدر فكاهة بالنسبة لهم.

قصدت القول من هذه الرمية بالاضافة لاثبات صحة الاثر النبوي ان الادوات قد تغيرت فلكل زمن ادواته مع بقاء. القيم فقبل عدة اسابيع كنت في مقعد نص في إحدى الحافلات وكان يجلس إلى جواري شابان يتجاذبان أطراف الحديث إذ بدا لي انهما صديقان وبما ان الصوفية يفرقون بين السمع والاستماع، فالأول هو الذي يفرض نفسه عليك والثاني هو الذي تسعى إليه، حيث كان لا بد من ان اسمع ما يدور بينهما من حديث، إذ كانا يتحدثان عن طرف ثالث دخل في مشكلة مع احدهما وكان يتحدث عنه بغضب شديد ذاكراً بعض الاحداث التي وقعت بينهما واختتم حديثه لصاحبه بالقول «خلاص مسحت ليك الرقم بتاعه من جوالي إلى الأبد»، فسأله صاحبه باستغراب «كلمته بأنك مسحت الرقم بتاعه؟»، فاجاب الشاب بالايجاب فعلق الآخر قائلاً «لكن والله ادبتو ادبة جدّ»، وهنا فاض بي الكيل فاستأذنتهما بالتدخل بحجة انهما فرضا على سماع ما دار بينهما، فوافقا، فسألت كيف يكون مسح الرقم تأديباً للخصم فرد علىّ احدهما قائلاً «يعني يا عمو زي ما تقول وصل معاه الحدّ وما حا يرجع ليهو تاني» فقلت إن مسح الرقم لا يمنع الآخر من الاتصال فقال لي «كلامك صاح ياعمو ممكن يتصل ويرد عليه ويمكن ان يحسمه» فسألت طيب ما هي الفائدة من مسح الرقم فقال لي الأول «يعني لو جا زول وقال ليك اديني رقم فلان وتقول ليهو ما مسجله أو مسحته فان ذلك سوف يفهم ان العلاقة بينكما قد انتهت».

وصلت المحطة التي اقصدها والدم يغلي في عروقي واسأل نفسي هل اصبحت هذه الاجيال مسالمة إلى هذا الحدّ أم أن التقنية الحديثة المتقدمة هي التي فرضت عليهم هذا السلوك البعيد عن العنف؟ تذكرت أيام «طالعني الخلا» وأيام أقطع الجرَّ دى، وأيام حت القرض، ولكن تذكرت قول عمر بن الخطاب انشئوا ابناءكم على غير طباعكم فانهم سوف يعيشون في زمان غير زمانكم فعلاً ان هذا زمان غير زماننا فالاسكراتش حل محل الشوكة، ومسح الرقم حل محل طالعني الخلا، والهناي حل محل البتاع وانا ما بفسر وانت ما تقصر.

عامر وينك ياراجل

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الاخ عامر
مشكور علي هذا الموضوع
و طبعا الدكتور عبد اللطيف أمد الله في ايامه و اثابه خيرا من هذه الكتابات الجميلة و الشيقة التي تلم في داخلها الاصالة و الثقافة و قوة و جراة الكلمة 0
و انا من المعجبين بالدكتور عبد اللطيف 0 وفي مخيلتي أن أمد الله في أيامي و عدت الي السودان سوف اقيم حفل تكريم لهذا الشامخ في الكاملين باسم جميع مواطني محافظة الكاملين فالدكتور قد درس الثانوية بالكاملين 0 و يكن لها كما تكن له كل أحترام وحب و تقدير
ولكم الشكر و التحية 0
أخوكم

فعلا يا حمد النيل عبد اللطيف البوني كاتب جريئ ساخر كتاباته ممزوجة بلونية خاصة لها طعم ىخر وبالذات للناس المهمشين والغلابة ولذلك وجب تكريمه وفعلا يستحق التكريم ومن المفترض ان يكون التكريم اولا لهذه المدرسة المعاطاءة مدرسة الكاملين الثانية التى خرجت اجيال واجيال قدموا لهذا البلد الكثير والمفيد نسال الله ان تكون موجودة ما يكونوا الجماعة حولوها لحاجة تانية كما فعلوا بحنتوب وطقت