حاطب ليل د. البوني

عندما دخلنا الجامعة في النصف الأول من خمسينات القرن الماضي، وجدنا فيها نقاشاً حامياً حول تعريب الجامعة بين الذين يطالبون به وبين الذين يعارضونه، وحتى الذين يؤيدونه كانوا مختلفين في كيفية بدايته، وفي ندوة مفتوحة تحدث فيها كبار أساتذة الجامعة قال البروفيسور عبدالله الطيب كلاماً لم يخطر على بال أحد، اذ قال ان التعريب يجب ان يبدأ من أعلى، أي من الدراسات العليا فكل طلابها يجب ان يكتبوا أطروحاتهم باللغة العربية، وحتى الذين يبتعثون الى الخارج يجب ان يترجموا أطروحاتهم وأهم مراجعهم قبل ان ينتظموا في سلك التدريس، وبهذا نكون قد وفرنا الأستاذ القادر على التدريس باللغة العربية، ووفرنا المرجع العربى أو المعرب.
تذكرت هذه الرمية وأنا في حلقة نقاش حول الاستثمار الرياضى في السودان، ذلك النقاش الذى أثارته صفقة المريخ أو بالأحرى جمال الوالي مع اللاعب النيجيرى استيفن وارقو تلك الصفقة المدهشة لارتفاع المبلغ المدفوع فيها، وقد أمن جميع المتحدثين على ان الاستثمار الرياضى في السودان يمكن ان يكون ناجحاً جداً لأن لديه بنية أساسية قوية تتمثل في الجمهور الرياضى الكبير، فأي فرد من هذا الجمهور ينفق يومياً على الرياضة مثلما ينفق على تعليم وقوت عياله، فهو يشترى الجريدة الرياضية ويشترى بطاقة القناة الرياضية المشفرة، وأحياناً يدخل الاستادات ويشاهد عدداً كبيراً من المباريات في القنوات غير المشفرة ويمضى الساعات في الجدل الكروى، بعبارة أخرى ينفق وقتاً كبيراً في ممارسة «هوايته» الرياضية، وهنا لابد من ان نعيد للأذهان الدراسة المبسطة التى أوردنا نتائجها من قبل في هذا المكان والتى تقول ان قرية في وسط الجزيرة تدفع مليون جنيه «قديم» تقريباً في كل مباراة مهمة في الدورى السوداني أو الافريقى أو الأوروبي وذلك بحصر عدد البطاقات الخاصة بالقنوات المشفرة التى اشتراها بعض سكان تلك القرية، وتقول الاحصائية التى لدينا ان عدد بطاقات قناة الـ «ART» تفوق العشرة آلاف بطاقة في السودان وعلى ذلك قس.
ذهب النقاش حول الاستثمار الرياضى مذاهب شتى، فهناك من قال انه يجب أن يبدأ بالبنيات الأساسية من استادات وملاعب ومدن رياضية وبعضهم طرح فكرة المدارس السنية وآخرون دعوا الى ظهور ادارات محترفة قبل اللاعبين المحترفين ورأي رابع يقول ان على القطاع الخاص ان يدخل بثقله في الاستثمار الرياضى فهو أضمن من أي استثمار آخر، زراعياً أم صناعياً أم سياحياً بيد اننى وتأسيساً على سابقة البروف الراحل عبدالله الطيب قلت ان الاستثمار الرياضى يمكن ان يبدأ من أعلى وذلك بالسماح لاندية القمة تحديداً الهلال والمريخ باستجلاب لاعبين محترفين في مستوى وارقو وما فوق، لأن هذا هو المتاح الآن، فإذا وصل الفريقان الى صدارة الاندية الافريقية سوف تصبح غنية جداً وتتحول الى شركات مساهمة عامة، وهذا سوف يشجع على اقامة البنيات الأساسية والمدارس السنية وسوف يرتفع مستوى اللاعب السودانى ويحترف في برشلونة والارسنال وهاك يا قروش.