حاطب ليل جنوبيون بالجزيره د \البوني

أجمل ما في السودان الحراك السوداني الذى لم يتوقف في يوم من الأيام، وبين كل فترة وأخرى تجد أوضاعاً ديموغرافية جديدة، وهذا يعني ان هذا السودان ما زال في حالة تشكل، ولم تتبلور خارطته السكانية بعد، فالأشكال الادارية من كونفدرالية وفدرالية وتقسيم ولايات تبقى أشكالاً فوقية، فالحروبات والمجاعات والأوبئة تظل هي المحرك الأساسي للواقع السكاني.

مناسبة هذه الرمية هي أنني لحظت في الآونة الأخيرة ان الاخوة الجنوبيين الذين نزحوا الى الشمال بسبب الحرب التى كانت دائرة هناك والذين تمركزوا حول أطراف العاصمة قد تحركوا في السنين الأخيرة نحو الجزيرة. فصناعة الطوب الأحمر «الآجر» فيما يسمى بالكمائن والتى تتمركز على شاطىء النيل الأزرق في المنطقة التى تبعد حوالي الستين كيلو متراً جنوب الخرطوم وتحديداً في منطقة «ألتي» هذه الصناعة اليدوية التقليدية أصبحت تعج بالجنوبيين، قديماً كان كل العمال الذين يقومون بها من ذات المنطقة بالاضافة لآخرين من كردفان ودارفور وقليل من شرق النيل منطقة البطانة، الآن زحف عليها الجنوبيون زحفاً كبيراً، وتجمعات الكمائن تجمعات عمالية في غاية الروعة، وهي تمتاز بالأكل «الطاعم» والممتاز ومياه الشرب النقية وعربات المشروبات الغازية تتخذ منها سوقاً كبيراً وهي كثيرة البقالات والمطاعم والمقاهي تحت الأشجار الظليلة وشاطىء النهر الجميل، فالمنطقة منطقة سياحية طبيعية، ودخل العمالة فيها مرتفع مقارنة بالأشغال الأخرى، وأصدقكم القول اننى وجدت هؤلاء العمال الجنوبيين في غاية «الانبساط» وعلاقاتهم بأرباب العمل وأصحاب عربات النقل وبقية مقدمى الخدمات في غاية الروعة.

لدهشتي قبل حوالي اسبوع وجدت بعض الأسر الجنوبية قد دخلت مشروع الجزيرة وأخذت تعمل بهمة عالية في عمليات حصاد الذرة «من قطع وسكب وتجميع»، فجالستهم وعلمت منهم انهم لم يسبق لهم ان قاموا بأية عملية من العمليات الزراعية من قبل وانهم على استعداد الآن للمشاركة في حصاد الفول وجني القطن «بس انتو ورونا بيعملوا كيف؟؟» كما قال لي مجوك سألته عما اذا كانوا ينوون الاستقرار في الجزيرة نهائياً فلم يستبعد ذلك اطلاقاً وعزا ذلك لسببين الأول ان الجزيرة مفتوحة لكل الناس وفرص العمل فيها متوفرة والثاني انهم استطاعوا في فترة وجيزة اقامة علاقات ودية مع الناس، ولكن تبقى مشكلة تتعلق باستقرار هؤلاء الاخوة وهي انهم «يحرقون» دخلهم بمجرد استلامه. وهذا ايضاً ينطبق على عمال الكمائن ويحرقون هنا كلمة مفتاحية، عليه لابد من توعية توقظ فيهم الحس الادخاري، فالادخار هو الذى يساعد على الاستقرار.