حاطب ليل دمغه الجريح د\ البوني

عندما كانت الحرب الأهلية مشتعلة في منتصف تسعينيات القرن الماضي والشعار المرفوع هو «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة» في هذا الوقت ظهر قانون الصندوق القومي لتطوير الخدمات الطبية وبدأ تحصيل دمغة بموجب هذا القانون. وكانت يومها مجرد دمغة بخمسين جنيها فقط ثم بقدرة قادر تحولت إلى ضريبة بقيمة واحد في المائة على الوارد ثم دخلت في كل شئ إلى أن وصلت ثلاثمائة وستين بنداً «نأسف لكتابة الارقام بالأحرف لاسباب فنية ولذا لزم التنويه» لقد طالت دمغة الجريح التي تحولت إلى ضريبة كل القطاعات حتى الاعلانات بالصحف كانت منها ثلاثة بالمائة، والحال هكذا اصبحت هذه الدمغة «طبعاً دا اسم الدلع» فالأصح الضريبة -عبئاً كبيراً وقيداً على الحركة الاقتصادية فتعالت الاصوات المطالبة بالغائها من ناس قريعتي راحت إلى رجال الاعمال الكبار، فالمطالبة هذه مشروعة جداً لسببين -موضوعي واجرائي- فمن حيث الموضوع أية ضريبة لن تجد الترحيب لا من المستهلك ولا من المنتج وإن كانت مهمة.. فالضريبة «العديل» تقع في باب الشر الذي لا بد منه، ومن ناحية اجرائية تعدد الاوعية الضريبية عملية مضرة بالحركة الاقتصادية فالاصل هو ان تحصر كل الضرائب باورنيك خمسة عشر وتذهب إلى وزارة المالية ومن هناك توزع على الخدمات التي يطلبها المواطن من صحية وتعليمية وامنية وترفيهية هذا إذا كان في الميزانية بند للترفيه.
أخيراً وبعد طول «كواريك» جاءت الميزانية الجديدة لعام «9002م» دي يكتبوها كيف بالحروف؟!!» خالية من دمغة الجريح ورحب بذلك رجال الأعمال والمفلسون كذلك، ولكن القائمين على الصندوق القومي لتطوير الخدمات الطبية رفضوا إلغاء هذه الدمغة وعددوا مآثرها وأنها انجزت مدناً طبية ومستشفيات وقالوا ان هناك مشاريع واعدة سوف تجهض في حالة الغاء الدمغة وشككوا في قدرة وزارة المالية على الايفاء بمتطلبات هذه المشروعات فمع وافر احترامنا للقائمين على هذا الصندوق القومي ومع تقديرنا لمنجزاتهم التي حتماً استفاد منها الشعب السوداني «الفضل» وسوف يستفيد منها وإن كانت تدار على أسس تجارية بحتة فليسمحوا لنا بأن نقول لهم «كفاية!!» ونقول لهم إن الوسيلة يجب ان تكون من جنس الغاية فالاعمال الكبيرة يجب ان تتم بالوسائل المشروعة والمعقولة فالاوضاع الصحية مسؤولية وزارة الصحة والجهة التي تدفع هي وزارة المالية وأي خروج من «قضيب» السكة الحديد هذا سوف يؤدي إلى شرور كثيرة ويفتح أبواباً يدخل منها الشيطان واخوانه فيجب ان تكون الدولة منضبطة في دخلها وفي منصرفها وهذا مبدأ يجب الحفاظ عليه لأنه يضبط المال العام ويخضعه لدورة مستندية معروفة فالخروج عنه أمر مرفوض حتى ولو حقق فوائد آنية واضحة لانه على المدى البعيد سوف يضر البلاد والعباد. ثم ثانياً فإن مشروعات هذا الصندوق صممت على أساس ان تكون مكتفية ذاتياً وتدير نفسها بنفسها لا بل وتطور نفسها، فالدمغة أو بالاحرى الضريبة كانت مؤقتة فاثنتى عشرة سنة «كفاية!!» «كفاية!!» لاحظ إننا حتى الآن لم نسأل كم كانت الاموال المتحصلة من هذه الضريبة على مدى هذه الاعوام. فانهاء الشغلانة يتطلب عملية جرد كاملة وكشف حساب كامل، لنحكم لها أو عليها فدعوا الارقام تتكلم.