حاطب ليل عليكم باحمد شرفي د\ البوني

رحم الله الدكتور عبد النبي علي أحمد الامين العام لحزب الأمة الذي رحل عن دنيانا مأسوفاً على شبابه وعلى علمه وعلى وطنيته العالية الاسبوع الماضي، فالدكتور عبد النبي هو الآخر من السياسيين غير المؤذيين، وكما قلنا في مناسبة سلفت فإن السياسيين غير المؤذيين اصبحوا أندر من الكبريت الأحمر في بلادنا والسياسي المؤذي هو الذي يقدم النفس على الحزب ويقدم الحزب على الوطن ويصبح مثل ديك العدة «اكان ضربوه بوسخها وان خلوه بكسرها» ففي الحالتين هو مؤذي ويكفي دكتور عبد النبي ان معظم الشعب السوداني لم يكن يعرف انه من اولاد مليط لأنه كان وطنياً قومياً ومثله ستكون فائدته لوطنه الصغير مثل وطنه الكبير لأن الخير لا يتجزأ فالذي يقدم الوطن الصغير يعني انه يقدم نفسه ويتخذ الانتماء الضيق وسيلة للصعود إلى أعلى ولكن الذي يضع الانتماء الكبير في المقدمة فهو من ذوي الهمة العالية والنظرة الأشمل فهذا الوطن مثل الشجرة فاما ان يخضر كله أو ييبس كله فلن تجد فرعاً مخضراً في شجرة وآخر يابساً، رحمك الله يا دكتور عبد النبي وجعل الجنة مثواك فقد كنت كبيراً وعالي الهمة واخترت المدخل القومي للسياسة.
كما كان متوقعاً فقد اثار مكان قبر الدكتور عبد النبي القضية القديمة المتجددة وهي العلاقة الثلاثية الابعاد بين حزب الأمة وطائفة الانصار واسرة المهدي فكما حدث من قبل انبرى نفر من اسرة المهدي لمنع مواراة جثمان عبد النبي في قبة المهدي على اساس ان مدافن القبة مخصصة لآل البيت وفي هذا اشارة واضحة لبقية الانصار من غير آل البيت إنهم مهما اجتهدوا في الحزب فلن يرقوا لمرتبة السمو العائلي. وهذا الاصرار على الارستقراطية الاسرية سيظل ندبة في وجه حزب الأمة القومي ويقدح في قوميته وإن المراتب العليا فيه محفوظة حتى ولو فتحت المناصب المؤسسية، فالامين العام هو الرجل الثاني في الحزب من ناحية مؤسسية ولكن بالمعايير الاسرية الأمر مختلف.
السيد الصادق قد يكون اشقى الناس بتصرفات آل المهدي لانه سعى جاهداً وبشتى السبل السياسية والاجتماعية لتفكيك هذه الارستقراطية الأسرية ولكن في نفس الوقت نجد ان الامام الصادق من ناحية فكرية أسيراً لتلك التكوينات التقليدية فالامامية نفسها تكوين تقليدي وإن أدخل عليها السيد الصادق مسألة الانتخابات ولكنه لم يحدد لها فترة زمنية فهل يوجد في الدنيا منصب يتم الوصول إليه بانتخابات وهو مجهول الأمر؟؟ السيد الصادق لا يستطيع ان يتناول بعقلانية الفكرة المهدوية ولا يستطيع ان يكون منصفاً أو محائداً أو موضوعياً في قرارة تاريخ الدولة المهدية مثلما يقرأ تاريخ السودان قبل وبعد المهدية، ولا أحد يلوم الصادق في هذا لأنه لا يمكن ان يغامر برصيده التاريخي من اجل استثمار في مستقبل مجهول فالرجل وإن كان مفكراً إلا أنه ايضاً سياسي يبحث عن السند والدعم بأي ثمن، ولكن في تقديري إنه بامكان السيد الصادق ان ينهي جدل الموت والدفن في القبة بضربة لازب، فهذه القبة محدودة الطاقة الاستيعابية. وهذه القبة حتى صاحبها نبش قبره الانجليز لا بل والدفن فيها ليس له أي سند ديني مثلها مثل بقية قباب السودان الدفن فيها بقوة التقليد فقط فلو أوصى السيد الصادق بأنه إذا ارتحل -إن شاء الله بعد طول عمر- يوصي بأن يدفن في احمد شرفي لانتهى البيان.