حاطب ليل حقوق فكريه قال د\البوني

الفنان الكبير كمال ترباس أعلن على الملأ أنه لا يمانع من أن يردد الفنانين الشباب «من طرف» أغنياته من «عيني ما تبكي وماتبكي الى تسيبني في عز الجمر الى زول بريدك زيّ مافي» وغيرها من روائع ترباس، وعزا ترباس هذه «الحاتمية» الغنائية الى أن ذلك نوع من رد الدين لأنه بدأ بالغناء للآخرين الى أن قوى عوده وأصبح يغني غناءه الخاص، فمن باب أولى ان يسمح للذين جاءوا من بعده ان يغنوا غناءه حتى يستوى عودهم، وهذا يذكرنا بالمثل العالمي الذي يقول: «زرع من قبلنا فأكلنا فلنزرع نحن ليأكل من يأتي بعدنا»، وهذا هو سر استمرار الحياة الإنسانية، فالفرق بين الإنسان والحيوان أن الحيوان لا يورث من بعده شيئاً -أي- لا يريكم تجاربه ولله في خلقه شؤون، ثم ثانياً والكلام لترباس: هؤلاء الشباب إذا لم يغنوا غناء الغير سوف يلجأون للغناء الهابط مجهول الهوية، فيفسدون الذوق العام، فبدلاً من ان تغني إحداهن «عزت نفسي مابيه علىّ اسلم قلبي ليك تاني، سنين الهجر بيناتنا وحاجات تانية حامياني» سوف تغني «سجل لي عماراتك وأدهسني بي عجلاتك».
ما طرحه ترباس من رأي شجاع يشير الى ما ظهر في دنيانا أخيراً ما يسمى بالملكية الفكرية التي أصبحت لها شرطة تطارد الفنانين الصغار الذين يغنون غناء الآخرين، فالملكية الفكرية هذه نحن في السودان نحترم فكرتها لأن أحد أولادنا الأفذاذ كان يقف على رأس مؤسستها العالمية وهو «ود البلد» الدكتور كامل إدريس. ويكفي كامل إدريس سوداناوية أن أولاده يدرسون في الخرطوم بالمنهج السوداني في حين أنهم كانوا يمكن ان يكونوا سويسريين كاملي «السوسرة»، ناهيك عن إمكانية الدراسة في أي مكان آخر في العالم الأول، ولكن يا جماعة الخير هذه الملكية الفكرية رغم أهمية حفظ الحقوق إلا أنها سوف تحتكر المعرفة على الدول الكبرى والعالم المتقدم، وسوف تصنع سياجاً يجعل القوي قوياً والضعيف ضعيفاً، وكما أنها تصادم كثيراً من المسلمات الإنسانية، فالشراكة البشرية أمر لا غنى عنه، ولكن من المؤكد ان لها جوانب إيجابية. فحفظ الحقوق هو الآخر فطرة إنسانية، ولكن يبقى الأهم أنه إذا جاءت لدول العالم الثالث مثل السودان يجب ان تخضع للموروث والواقع السوداني، فمن غير المعقول إذا غنى شاب في حفلة بضوء الرتينة في أم صفقاً عراض أو عردبية أو أضان حمار أغنية «حرمت الحب والريدة» يدخل بسبب ذلك السجن أو يدفع غرامه من غير المعقول ان تصبح أغنية «ليه بنهرب من مصيرنا» لبنت عجاج لأن المؤلف والملحن باعاها لها ويطلع منها إبراهيم عوض الذي جعل هذه الأغنية تسير بها الركبان، من غير المعقول إذا سجلت «خلطة زبالة» يحرم على غيرك استعمالها، الحمد لله إن ثقافتنا فيها ما زالت ضعيفة فمع أهمية مؤسسة الملكية الفكرية والترحيب بوجودها إلا أن إخضاعها للواقع السوداني يبقى الأهم.