حاطب ليل «هايس» د\البوني

«الهايس» عبارة عن حافلة ركاب سعة اربعة عشر راكباً وهي إحدي منتجات شركة التايوتا العالمية دخلت السودان ضمن المركبات الأخرى العامة الاكبر منها والخاصة الاصغر منها واصبحت «الهايس» تطلق على كل مركبة ذات السعة اعلاه حتى ولو كانت نيسان أو هونداي أو ميسوبتشي هذه «الهايس» حقيقة ومجازاً لها قصة غريبة في هذا السودان صاحب اغرب تشريعات في دنيا المرور، سلطات المرور لم تمنع استيرادها ولا يحق لها ذلك لان لها دوراً لدى الشركات والاسر لا يمكن انكاره ولكن بعد دخولها السودان «الله قال بقولها» فالسلطات ترى فيها إزدحاماً للشوارع والتضييق عليها يشجع المركبات الكبيرة تحديداً الروزات سعة الثمانية وعشرين راكب فقررت فرض غرامة يومية عليها إذا كانت تعمل داخل العاصمة قدرها ثلاثين ألفاً «بالقديم» ولك ان تتخيل عدد «الهايسات» وتضربها في هذا المبلغ لتقف على هذه البقرة الجاموسة العينة، اما في طرق المرور السريع فهي ممنوعة منعاً باتاً حيث تصل غرامتها إلى مائتي ألف جنيه فيما بعد، وبعد ان تأكد للسلطات ان قراراتها الجائرة هذه أدت إلى خراب بيوت سمح لها بالعمل داخل خطوط معينة بالعاصمة مقابل تصديق خط بمبلغ مائتين واربعين ألف قابل للزيادة السنوية والذين لا يريدون التقييد بخطوط معينة ويعملون بلوحات بيضاء يستمرون في دفع الثلاثين اليومية واي هايس تقل اكثر من ثلاثة وفي المقاعد الامامية «مقعد السائق والمقعدين المجاورين له من اليمين تدفع الغرامة حتى ولو كان الرابع طفلاً يجلس في المقعد الخلفي ولديه شهادة ميلاد تثبت ان اللذين يجلسان امامه هما ابواه، اما في طريق المرور السريع فقد تم تغريم عربة هايس تقل شخصين فقط وهما شقيقان، فالسائق كان معه راكب «الشقيق الواحد» ومشكور شرطي المرور إذ بعد تدخل الأجاويد أنزل الغرامة من مائتين إلى ثلاثين، قبيل العيد بثلاثة أيام احضر لنا مريض إلى الخرطوم وبعد العلاج رأينا إرجاعه على عربة خاصة فكنت مع ثلاثة ضمن الراجعين بالهايس التي احضرته للعاصمة، السائق قال إنه ليس جاهز لأية غرامة فبعد مستشفى سوبا نزلنا من الاسفلت واتجهنا ناحية السكة الحديد وسرنا بمحازاتها لمسافة عشرة كيلومترات فاقبل علينا من اخبرنا ان الشرطة ترابط أمامنا فرجعنا واخذنا نحاول الرجوع للاسفلت بعد نقطة تحصيل الرسوم حيث ترابط عربة شرطة أخرى ولكننا كنا نفشل في كل مرة لوجود المزارع الخاصة واسوار شركات النقل واخيراً اقنعنا سائقنا بالتوكل والعودة إلى المكان الذي نزلنا منه «سجن سجن غرامة غرامة» فقد امضينا ساعة كاملة في عملية الزوغان وكأننا مهربي افيون لحسن حظنا بمجرد وصولنا إلى الاسفلت وجدنا رجل شرطة مرور يحمل متاعه عائداً إلى أهله في قرية مجاورة لنا فاركبناه معنا واجلسناه على المقعد الامامي بعد ان تنازل عنه شيخ السفرية ومررنا على نقاط التفتيش ومصطفى سيد احمد يغني «ياما كنا وياما كنا» بآخر صوت في مسجل الهايس.
إذاً يا جماعة الخير هذه هي قصة الهايس في السودان وهي لا تحتاج إلى كثير من التعليق إذ انها تكشف عسف الدولة وجورها ودخولها في تفاصيل صغيرة بدافع الجباية وتوضح بجلاء هوان انسان السودان على دولة السودان وتبكي يا بلدي الحبيب.