المجلس الطبِّي .. بين «زراعة الكلى» و «زراعة الإحباط» الاستاذه\مني ابوزيد

لي مع «الأخطاء الطبية» حكاية خاصة وأليمة .. كلما ذُكرَتْ أمامي شئون الطب والأطباء والمرضى في هذا البلد بكيت، وتَوسَّدت خاطري جملة شعرية لأبي الطيب المتنبي تقول : « كأن العيس كانت فوق جَفني مُناخاتٍ فلما ثُرن سالا « ..
فـ المتنبي يقول إن دمعته كانت قريبة عند رحيل أحبائه، وكأن دوابهم كانت ترقد فوق أجفانه .. فلما أنهضوها استعداداً للرحيل تحرك الجفن.. وبكت العين .. فسال الدمع ! ..
يوم الخميس الماضي تعثرت في هذه الصحيفة بخبر أعادني إلى جملة المتنبي فبكيت حالي وحال هذه البلد .. عنوان كالآتي : « المجلس الطبي يؤكد كفاءة أبوسن « ! ..
الخبر مذيل بتوقيعي الزميلتين « أماني إسماعيل» و« انتصار فضل الله» .. أي أنه نتاج اجتهادات ثنائية لاستقصاء حقيقة شائعة يبدو أنها ذاعت حتى حملت الصحافة على بحث متعدد المقاصد عن تفاصيلها ! ..
أما مضمون الخبر فكان نفي شائعة «إيقاف» الدكتور «كمال أبو سن» عن الاستمرار في إجراء عمليات زراعة الكلى بمستشفى الخرطوم .. وثناء المجلس الطبي على كفاءته باعتباره مسجلاً في سجلاته كطبيب اختصاصي يعمل في مجال تخصصه ! ..
يا للعار ! .. تذكرت احتفاء دولة الإمارات حكومة وشعباً .. واحتفاء إعلامها المقروء والمرئي بالدكتور « أبو سن» الذي وصفه بـ « الجراح العالمي المعروف « الذي نجحت على يديه أول عملية «إعادة زراعة حالب» في دولة الإمارات وكيف كان شيوخ وأمراء الدولة يحيطونه بالاحتفاء والتقدير ! ..
ثم تأملت في وسائل الإعلام السودانية التي يتصدر عناوينها خبر تأكيد المجلس الطبي على كفاءته المشكوك في أمرها إن لم تنطبق عليه شروطه .. المجلس الطبي بماضيه المخجل مع أطباء سودانيين حققوا انجازات عملية خارج البلاد وعند عودتهم إلى الوطن «وقف حالهم» لأنهم غير مسجلين فيه ! ..
وحتى تكتمل إجراءات التسجيل .. يعمل العالم الجليل من هؤلاء تحت إشراف واحد من تلامذته .. طبيب في بداية المشوار .. لا يملك من العلم والخبرة في تخصصه عشر ما يملكه أستاذه القادم من خارج البلاد ! ..
والشواهد حاضرة .. أطباء كبار يحملون درجة الدكتوراة والأستاذية في علوم الطب أخضعهم المجلس الطبي السوداني للعمل تحت «إشراف» تلامذتهم لأنهم غير مسجلين ! ..
المجلس الطبي السوداني بحاجة إلى وقفة جادة مع قوانينه المجحفة .. وقفة جادة مع فكرة (التقييم الموضوعي) .. بدءاً بامتحانه الذي يخضع له الطبيب حديث العهد بعد انتهاء فترة الامتياز والذي يبدو وكأنه امتحان «تصفية» لخلق موائمة بين ضيق فرص العمل وعدد الأطباء المؤهلين للحصول على وظائف!..
ومروراً بتدابيره القانونية القاصرة في مشكلات الأخطاء الطبية وحقوق المرضى وواجبات المريض .. (بالمناسبة ليست تدابير المجلس الطبي وحدها بل حتى المواد الخاصة بمسئولية الطبيب في قانون المسئولية التقصيرية السوداني تحتاج إلى وقفة كبرى)..
وانتهاءاً بالكفاءات الطبية المهاجرة التي تعود إلى الوطن وتقدم خبراتها المهنية على طبق من فضة، فتصيبها قوانين المجلس وإجراءات تقييمه غير الموضوعي بالإحباط ! ..
كيف يخضع طبيب مسجل كاختصاصي في دولة كبريطانيا لتقييم محلي مُهين في دولة كالسودان بمستوانا المحلي الذي نعرف في مجال الخدمات والخبرات والبحوث الطبية ؟! .. والله حرام !