المدائح النبوية : «طار» و «وقار» ! الاستاذه مني ابوذيد

من الأقوال التي راجت عن مناسبة نظم «البوصيري» لقصيدة البردة أنه أصيب بالشلل النصفي و حار الأطباء في شفائه .. فصلى الرسول الكريم مائة مرة ثم نام فرأى رسول الله في منامه وهو يخلع بردته عليه .. فقام من نومه وهو معافى البدن، لا يشكو من شيء ! ..
البردة هي معلقة المدائح النبوية التي سار على نهجها الكثير من الشعراء .. ولعلها القصيدة الأولى التي امتزج فيها مدح الرسول الكريم بالانعطافات الصوفية الغارقة في العاطفة .. كالتحذير من هوى النفس .. والتوسل بالرسول الكريم .. والمناجاة وعرض الحاجات ..
ولقصيدة «مصر المؤمنة» للشيخ «البرعي» رحمه الله قصة مرض أعقبه شفاء تشبه كثيراً مقام قصيدة «البوصيري» .. رواها بنفسه عندما سئل عنها في حوار تلفزيوني ! ..
في مدائح الإمام «البوصيري» .. أو الشيخ «البرعي» .. أو «حاج الماحي» .. أو غيرهم، لا يهمنا الوقوف عند بقدر ما يهمنا الوقوف عند جزالة النظم و سمو المعنى .. والرقة والطلاوة التي يجيش لها الصدر .. ويتهدج الوجدان .. ويفيض الدمع شوقاً إلى لقاء الحبيب المصطفى .. وطمعاً في شفاعته يوم لا ينفع مال ولا بنون ! ..
تلك الحالة الصوفية التي تغسل الروح هي من موجبات عظمة المدائح النبوية إلى جانب كونها تحفظ في مضامينها الحوادث التاريخية .. والسيرة والمعجزات النبوية .. وأسباب نزول الآيات القرآنية .. ومناسبات الأحاديث .. وقصص الصحابة .. إلخ .. ! ..
وفي ذلك خير رد على من يتهمها بالغلو .. فمادح الرسول الكريم قد أخذ نهجه من القرآن الكريم .. والله سبحانه و تعالى هو أول من مدح رسوله عليه الصلاة و السلام في مواضع كثيرة من القرآن الكريم منها قوله تعالى : « وإنك لعلى خلق عظيم» ! ..
مديح الرسول الكريم يدخل في قبيل الآداب والفنون التي لا يحتاج انتقالها بين الشعوب إلى جواز سفر .. لذلك فهي من خير الطرق لتكريم رسول الله و تعريف الآخر ين به إذا صاحبها القليل من الجهد في الترجمة ! ..
برنامج «المدائح النبوية» الذي تبثه الفضائية السودانية ويقدمه بروفيسور «إبراهيم القرشي» وفرق المادحين ذات الأداء «الأصيل» .. من البرامج الرائعة .. فقط ينقصه شريط ترجمة إلى الإنجليزية ! ..
التغني بمدح رسول الله الذي نعرف هو : الطار الذي يضرب على أوتار القلب .. والصوت الشجي المتهدج .. والخشوع الصوفي .. والملامح الذائبة من وقع القول و رهبة المعنى ! ..
وهو لا يشبه الكثير من أغنيات اليوم التي أفرغت مدح الرسول الكريم من محتواه العميق .. وجردت المستمعين إليه من خشوعهم ..
الكثير جداً .. جداً .. مما تعرضه فضائياتنا وتسميه بالمدائح النبوية ما هو إلا «أغنيات دينية» .. «هوجة جماعية غير مدروسة» .. «موضة فنية» ليس إلا !