حاطب ليل ( عايرة وأدّوها سوط) د\البوني

صديقي وزميلي في المرحلة الاولية كرم الله سوداني استثنائي، يمتلك عربة بدفورد يرجع تاريخ دخولها السودان الى خمسينات القرن السابق، تعمل بالحد الادنى من المتطلبات، تتنقل بين القرى المجاورة لنقل التراب والطوب والقصب و(الزبالة) وكل مخلفات المحاصيل جدواها الاقتصادية بحسب تعبيره انها تعيِّش خمس اسر بالتمام والكمال بالاضافة لكرم الله هناك اربعة (عتالة) وجدتهم ذات مساء جالسين امامها وهم في حالة ونسة وضحك و(قرقرابة) وبعد السلام والسؤال علمت منهم انهم في انتظار القمر ليتحركوا، في قاموسهم لا توجد عطلة اطلاقاً اللهم الا اذا كان هناك عطب او عدم طلب لعملهم وفي كل الاحوال تجدهم مع عربتهم وكأن قصة غرام تجمعهم بها.
كرم الله كلما يقابلني في يوم غير يوم الجمعة يسألني (الليلة شم النسيم؟)، فليس في ذهنه الا عطلة شم النسيم ولولا المدارس لما علم بعطلة السبت التي علق عليها قائلا: (يا جماعة الحكومة دي جنت تأجز السبت ذاتو؟) كلما كانت هناك عطلة اتصيد مقابلته كي يقول لي الليلة شم النسيم؟ ويعلق على جن الحكومة، قابلته يوم الخميس الماضي وبادرته بالقول: (الليلة الكريسماس ود عم شم النسيم) فرد بالقول: (البلد حكايتها بقت بايظة علىّ الطلاق ايامها كلها بقت شمومة كلما اسأل الشفع ليه ما مشيتوا المدرسة يقولوا لي الليلة اجازة)، قلت له احمد الله ان عملك لا علاقة له بمكاتب الدولة فقال بصوت لا يخلو من الانفعال: (المشكلة في انو ناس الحركة في الاجازات لمن يكون الشارع فاضي من العربات والغرامات شوية بيدخلوا علينا في الخلا دا ويشيلوا الفيها النصيب انا ما عارف ليه ناس الحركة ما بيأجزوا زي بقية خلق الله ؟؟).
إذن عزيزي القارئ هذه الرمية الطويلة المراد منها التوسل لتخمة الإجازات التي نحن فيها.. فبعد عطلة العيد الطويلة تفضل علينا الكريسماس بيوم (لافق) مع الجمعة والسبت فاصبحت نص اسبوع ونفس الشيء سوف يتكرر الخميس القادم، حيث رأس السنة وذكرى الاستقلال وبعدها اعياد السلام و(دقي يا مزيكا)، الغريب في الامر ان الحكومة هذه المرة خجلت شوية فألغت عطلة رأس السنة الهجرية التي كان ينبغي ان تكون اليوم.. عليه وتأسيساً على خجلة الحكومة الاخيرة هذه نطالبها بالمزيد من الخجل وتفكر في امر الاجازات هذه فبذات الجرأة التي ألغت بها رأس السنة الهجرية مطالبة بأن تلغي آخريات كثر. عندما اقرت الحكومة عطلة السبت ثار جدل كثيف حول هذا الامر ولكن تغلب الصوت الذي اقر العطلة بحجة ان كل العالم يمارس عطلة اليومين في الاسبوع، ولكن قيل لهم يجب ان تكنسوا بقية الاجازات حتى تكون ايام العمل السنوية مقاربة لما عليه الحال في العالم، فقالوا زدنا ساعات العمل الىومية لتصبح ساعاتنا السنوية مثل ساعات عمل الدول الاخرى ولكن (دا على منو؟) فكلنا عارفين سلفاً التسيب التي تعاني منه مؤسساتنا، فمنذ ان خرج المستعمر، خدمتنا العامة كل يوم ترذل بالفطور الجماعي والذهاب للفاتحات و(ختات) الصناديق والشمارات المؤسسية والارانيك المرضية وحاجات تانية حامياني.
يا جماعة الخير لقد اصبح الشعب السوداني موسوماً بالكسل واصبحت هذه (التيمة) تلازم السوداني اينما حل مثلما يوصف الانجليزي بالبرود والمصري بالفهلوة والياباني بالانضباط طبعاً. ليس من العدل ان تصف شعباً كله بصفة واحدة ولكن المؤكد ان هذه الوصمات لم تأت من فراغ لابد من ان يكون فيها شيء من الحقيقة فلا داعي للمكابرة ونحن دائماً نعترف بأن السوداني داخل البلد كسلان اللهم الا كرم الله ومن هم في حكمه ولكن عندما يكون في الخارج يكون من انشط ما يكون ولكن للاسف ان الصفة هذه جاءتنا من الخارج فلندع ناس طاش ما طاش وهنيدي ولنقل انهم متحاملون على السودان، لكن ماذا نقول في هذه العطلات الكثيرة وابتهاجنا بها و(تجدعنا) فيها اقول قولي هذا وانا من الذين يموتون في العطلات ويتجدعون فيها للآخر وبالتالي حديثنا هنا يدخل في نقد الذات ودعوة للمراجعة ومواجهة النفس بنقائصها وليبدأ هذا بمراجعة هذه الاجازات الحلوة جداً ولكن الوطن اغلى إن لم يكن أحلى.