تلبيس الشيطان في عزاء أهـل السودان ...

بسم الله الرحمن الرحيم

تلبيس الشيطان في عزاء أهل السودان ...

ربما يكون هذا العنوان مكرراً بالنسبة لبعض القراء الأعزاء فسبق أن كتبت موضوعاً تحت هذا العنوان قبل خمس سنوات بصحيفة (الحياة) السياسية ـ رحمها الله ـ حيث كنت أكتب نافذة تحت عنوان ( ويبقى الود ) ، فالعنوان مكرر والموضوع هو ذات الموضوع بمفردات أخرى وقد دفعني له التجاوب الكبير الذي وجدته من إخواني وأصدقائي قراء نافذة (وابل وطل) على الشبكة العنكبوتية على إثر مقالي السابق « لحظة يقظة ضمير سوداني « الذي دعوت فيه للانتفاضة على بعض عاداتنا وتقاليدنا المعيقة والتي تظهرنا بمظهر الشعب المتخلف والتي تسهم بدرجة كبيرة في تبديد وقتنا وتخلق لنا مشكلات اجتماعية لا عدد لها.
وبظني أن العزاء السوداني من أكبر معيقات الوعي الاجتماعي في السودان وخطورة العزاء عندنا في السودان كونه يأتي في (خلطة) سودانية غريبة فهو ليس عبادة فقط وليس عادة فقط وهو يصنف (واجباً) حيث « الواجب « هنا لا يقع ضمن ما يفهمه الفقهاء ولا ما يفهمه الأصوليون، فالواجب هو ما تفرضه عليك أعراف المجتمع السوداني حسب انتماءك الجهوي والقبلي ..
ويتخذ أهل السودان (الفاتحة) وسيلة للتعبير عن العزاء و «الفاتحة» هنا لا تعني سورة الفاتحة عند معظم الناس فبعضهم يدعو للميت ولأهله وبعضهم يقرأ سورة الفاتحة وبعضهم يحسب أعداداً أو يهمهم ـ حسب الفاصل الزمني المطلوب ـ ثم يقبض يديه (الفاتحتين) ومن هذه المشاهد استطيع أن أذهب إلى أنّ (الفاتحة) العزائية تعني الأيادي «الفاتحة» أي المبسوطة ودليلي على ذلك ـ والله أعلم ـ كون أنه لا يوجد أثر ديني يحث على قراءة سورة الفاتحة ولأن أهلنا لا يقرأونها دائماً ولأنك لو قرأت سورة الفاتحة ولم تفتح يديك وتقابل بها صاحب العزاء لا تقبل عند أهل العزاء ويعتبر تصرفك ضرباً من ضروب السخرية ، ولأن لها طقوساً معروفة تدل على «الحماس» لها تصل إلى درجة إلقاء العصا بشدة و (فرزعة) العمامة و» النهرة « الشديدة ثم القول الفاتحة .. الفاااااتحة « مع النظر لجميع من داخل سرداق العزاء وأحياناً 0تتبعها تعبيرات مثل : «يا فلان نزل يدك الفاتحة دي مي ليك إنت قاعد تعزي منو ؟
وفي تقديري أن العزاء السوداني بهذه الطريقة أثر من آثار الدعاة الأوائل الذين وجدوا الناس أميين بسطاء فاجتهدوا في إحياء سنة العزاء بوسيلة مبسطة وأرجح أن يكون ذلك أثر مصري، فإخواننا المصريون يتبركون بالفاتحة في السراء والضراء حيث يقرأون الفاتحة في الزواج أيضاً ..
ومن هذه الصورة يتلبس على الناس وضع العزاء هل هو من الدين والعبادة والسنة
أم غير ذلك ؟
ولا شك أن العزاء سنة وله صيغ معروفة مثل « أحسن الله عزاءكم « وهو ضروري لتخفيف المصاب ولتواصل المجتمع لكن ليس بهذه الطريقة، كما أنه لا ينبغي أن تكون له « أدبيات» كثيرة مثل « ما عزاني ما بعزيه « أو « البكا لي حولو بجيب زولو « أو ما قاله العبادي ـ رحمه الله ـ على لسان (رية) في مسرحية «الملك نمر» إن ماتت في الفريق مرية ذليلة
يرفعولو العرس الدخلتو الليلة
فالأمر يقع في دائرة السنة التي يثاب فاعلها ولا يؤثم تاركها والأفضل عملها وفق ضوابط الشرع.
ولعلك ـ عزيزي القارئ ـ تلاحظ المشكلات الاجتماعية والقطيعة التي يؤدي إليها التمسك بهذه العادات وما تجره هذه الأشياء علينا من أزمات نفسية وما تضيعه علينا من زمن ، في وقت لا يتمسك بها إلا الجاهلين أو بعض الذين أشكل عليهم أمر العادة فظنوها عبادة، أو أهل الجاه ممن يظنون أن «عزهم» مرتبط «بعزائهم» .. وأهل السودان يقولون «ما عزاني» يريدون بها لم يعزني ولكنها تفهم من «عزَّ» أي أنزله منزلة العزيز .. ومنها قولهم «العز أهل» رغم أن «العز» الذي يعني «العزة» لا صلة له بالأهل ولا بالعزاء، فالعزة مرتبطة بالإيمان وقد جعل الله للمؤمنين نصيباً منه مرتبطاً به ـ جل وعلا ـ وبرسوله ..
« إنَّ العزة لله ولرسوله وللمؤمنين»
وأعتقد أن المثقف السوداني مسئول عن ما يجري في مجتمعنا في هذه الناحية ، وقد لاحظت باستثناء إخواننا أنصار السنة المحمدية ـ أن جميع المثقفين والدعاة والسياسيين يجعلون من مناسبات عزائهم «كرنفالات» تجمع المحبين والمريدين وبقدر «صيوانك» وعدد المجتمعين حولك يقيَّم وضعك اجتماعياً كان أم سياسياً أو غيره، وبقدر «الظروف» المالية التي تصلك ينظر الناس لأهميتك وهذا ـ لعمري ـ أمر يحتاج لوقفة فبئس الطعام الوليمة يدعى لها الأغنياء ويحرم منها الفقراء .
والسياسيون مسئولون عن هذا الأمر ، وأظن موضوع وصول «الجثمان» و «احتفائية» استقباله هذه يجب أن تقف عاجلاً غير آجل لا سيما على المستوى الرسمي وشبه الرسمي فهذه وسيلة «إعلامية» دعائية لا داعي لها وهي لا تفيد الميت ولا تعظمه بقدر ما يستفيد منها الساعون لها والعاملون عليها .
أمّا «شد الرحال» وقطع الفيافي ـ فلا شك ـ أنه في إطار سعينا ووعينا يجب العمل على معالجة شأنه وسنجده صيغة مناسبة للحد منها ، فقد كثرت «الرحلات» وأنفقت خزينة الدولة فيها ما أنفقت اليسير منه على الأرامل والأيتام لأسهم في بنائنا الاجتماعي ، ربما يقول قائل : وهل تسير الدولة قوافل عزاء ؟ وأقول : نفعلها ـ نحن صغار الموظفين - أكثر مما تفعله الدولة رسمياً ثم يتسلل رجال الدولة زرافات ووحدانا ، وفي الحالين لا يخلو الأمر من مساهمة «الخزينة» في الأمر .
إن الشعوب التي تقود التغيير في الكون هي الشعوب التي تقود التغيير في مجتمعاتها أولاً ونحن في حاجة لمراجعات اجتماعية تنطلق من فكر متوازن لا يصطدم مع شعبنا ويلج للإصلاح بصيغة وفاقية الطرح « فاروقية « القرارات والتنفيذ.
وما زلت أدعو لمنظمة للإصلاح الاجتماعي تنظر في القضايا الاجتماعية ، فما رأيكم في تكوين هذه المنظمة تحت اسم « المنظمة السودانية للإصلاح الاجتماعي « تحت شعار «إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله « .
وصدقوني ستجد أنصاراً لا حد لهم فكثير منا « ممكون وصابر» وربما خائف !

+++++++++++++++++++++++++++++++

المقال للكاتب الدكتور / فتح الرحمن الجعلي .

مقال منقول من جريدة الرأي العام السودانية ــــ العدد رقم : ( 22642 )
الإثنين : 6 / ابريل / 2009 م الموافق 10 / ربيع الثاني / 1430 هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

الإخوة الكرام ...

الموضوع المذكور أعلاه موضوع جدير بالاهـتمام ، و يناقش بعض الجوانب الهـامة ، في هـذه المسألة الاجتماعية الهامة ، وهـي مسألة العزاء و ما يصاحبها من أمور ينبغي التنبيه عليها ...

لذلك أرجو من الإخوة و الأخوات أعضاء المنتدى المساهـمة بالتعليق و الإضافة بما يكون مناسباً لهـذا الموضوع الهـام ...

و لكم جزيل الشكر و التقدير .

الهـدهـد ...

صراحة يا شيخ الهدهد موضوع جميل جدا و الكاتب فتح الرحمن الجعلي أبدع في هذا المقال لدرجة ما ، حيث أنه حدد العلة و العلاج ،، فجزاك الله خيرا أخانا الهدهد علي نقلك لهذا الموضوع الحيوي الإجتماعي الذي يمس شرائح المجتمع كلها ، ولكن لدي وقفة ربما لا تحسب علي الكاتب و هي أنه ألقي المسئولية في تصحيح هذه السلوكيات علي المثقفين و السياسيين ، و أنا أقول المسئولية في المقام الأول تقع علي عاتق الصحافيين من أمثال الدكتور فتح الرحمن ، و هذا هو الحل الناجع لأن الإعلام له الأثر الكبير و الفعال ، وله قوة سرعة التغيير، وهو وسيلة ناجحة لدرجة بعيدة ، خصوصا في الأوساط السودانية المعروفة بشقفها للإطلاع و الثقافة و قديما قالوا ( مصر تؤلف و بيروت تطبع و الخرطوم تقرأ ) ، عليه أناشد من هذا المنبر منتدي السريحة كل من له قدرة علي إيصال الحق و له سلطة رابعة ( الصحافة ) كما يسمونها أن يقدم لهذا الدين و هذه الأمة من خلال منبره ، وهنا معنا في هذا المنتدي الأستاذ أنور التكينة و هو صحافي مرموق و معروف نرجو منه تناول هذا الموضوع و معالجته معالجة وفق منظور الشريعة الإسلامية ، لك التحية مرة أخري شيخنا الهدهد علي الإهتمام بهذه المواضيع

بسم الله الرحمن الرحيم

الأخ العزيز الشيخ / هـشام مبارك

أشكرك من كل قلبي هـذا التعليق و هـذه الإضافة الموفقة على هـذا الموضوع ، و الذي هـو موضوع هـام و يجب الإهـتمام به لأن يمس جوهـر قضية لها ما لها ، و عليها ما عليها ، إنه الواقع المعاش في السودان في الحياة الاجتماعية ، إنه واقع بحاجة إلى نظرة فاحصة متأنية لكل الحوليات التي تحيط بهـذا الموضوع ، و إلى قراءة صحيحة لهـذه المسألة حتى بكون الطرح المطروح للعلاج نافعاً بإذن الله ...

بالنسبة للموضوع المنقول ، أعني المواضيع المنقولة بصفة عامة ، المواضيع و المقالات المنقولة و التي تنشر على صفحات المنتدى ، يجب أن تكون مواضيع حية ، مفيدة تمس الواقع المعاش ، و قبل ذلك كله لا تنقل إلا إذا كان في الإمكان أن يضاف عليها بالتعقيب لبيان الجانب الحسن فيها ، أو ما يكون غير ذلك ، إن وجد فيها جانب غير حسن ... و قد أشرت إلى هـذا المبدأ في بوست منفصل عنوانه :
رسالة لأهـل المنتدى .....

مرة أخرى أكرر الشكر و التقدير لشخصكم الكريم ، و جزاك الله خيراً ....

الهـدهـد ...

الموضوع فعلا جميل اخي الهدهد والكاتب ابدع في طرحه وقد اعجبني نقله لصورة الزول الداير اشيل الفاتحة حيث وصفها بقوله ( تصل إلى درجة إلقاء العصا بشدة و (فرزعة) العمامة و» النهرة « الشديدة ثم القول الفاتحة .. الفاااااتحة )
واود ان اقول ان الموت ليس امرا جديدا وطارئا وانما كتبه الله علي بني ادم حيث قال (منها خلقناكم وفيها نعيدكم) ( الذي خلق الموت والحياه ) وغيرها من ادلة الشرع
فحدث الموت في ابني ادم وذريته من بعده وفي عهد النبي صلى الله عليه وسلم مات الناس فلينظر الناس الي فعل النبي صلي الله عليه وسلم والي فعل صحابته بشأن العزاء وليطبقوه وليفعلوا كما فعل النبي الكريم وصحابته وبذلك ينصلح الحال
فلا شق للجيوب مع النياحة ولا ارهاق للجيوب بالصرف والبذخ و الترف بالمآتم ويحضرني هنا قصة حصلت عندنا في السريحة (انو الجماعة بعد ان انتهوا من تجميع خسارة المأتم وجدوها خمسة مليون على حسب ما ذكر لي وكالعادة قاموا بتوزيع الخسارة على اقارب الميت ولما كلموا واحد من الجماعة وقالوا ليهو عليك مية الف قال ليهم لشنو قالوا ليهو الخسارو وصلت خمسة مليون قام قال ليهم مالكم جبتوا محمد وردي)
وشئ اخر يجب التنبيه عليه وهو ان العزاء الحكمة من تشريعه نخفيف المصيبة على اهل الميت ومؤاساتهم لحطة وقوع المصيبه او قريبا من ذلك لكننا نجد انه بالنسبة للمغترب عندما يريد ان ينزل اجازة لاهله ولو بعد سنتين او يزيد (يعني بعد اهل الميت ينسوا ميتهم ) فانه ينزل ومعه قائمة فيها ما يقارب الثلاثين متوفي او يزيد ويجب عليه ان يذهب الي جميع هؤلاء في بيوتهم واذا كان المتوفي له ابناء او بنات كبار يزيد العدد لانك يجب عندهم ان تذهب لابناء المتوفي جميعا جميعا والا فالقطيعة والعياذ بالله
لذلك على الناس الرجوع للشرع ففيه كل الخير عسى الله ان يكتب لنا الخير في الدنيا والآخرة [/b]

الأخ العزيز الشيخ / هـشام حسن

مشكور أخي الحبيب ، و جزاك الله خيراً ...

أشكرك من كل قلبي على هـذه الإضافة الموفقة ، و على هـذا التعليق ، و ذلك التعقيب و الذي حل في موقعه تماماً ، بل و ناسب الموضوع المطروح شكلاً و مضموناً ... و كما ترى فقد كتبت بوست منفصل بعنوان :
عمل طيب ، ولكن ...
أوردت في هـذا البوست بعض القضايا و الأمور الاجتماعية التي تكون من قبيل الشيء الحسن ، لكن قد تصاحبها بعض الأمور و العادات و التقاليد التي تخرجها من هـذا المفهـوم إلى غيره ... و أعني بالحسن ما استحسنته الشريعة الإسلامية لا ما استحسنه عرف الناس ، لا سيما العوام من الناس ...

هـناك الكثير من الأمور إذا نظرنا إليها بتجرد سوف نجد عليها العديد من الملاحظات ...
أرجو أن لا تبخل على المواضيع و المقالات التي تناقش القضايا الاجتماعية ، أرجو أن لا تبخل عليها بالمداخلة و التعقيب بالرأي و المشورة و النصيحة النافعة ...

ملاحظة :

إن شاء الله سوف أخذ نسخة ( اقتباس ) من تعقيبكم على الموضوع يا شيخ / هـشام ، و أضعها في بوست : عمل طيب ، ولكن ... و ذلك لمناسبة التعليق و التعقيب للموضوع المنشور حالياً في هـذا البوست ، و الذي هـو عن مصيبة الموت و الأمور غير المحمودة ، بل الأمور المنكرة التي قد تحدث عند حدوث هـذه المصيبة ، مصيبة الموت ....

أكرر الشكر و التقدير لشخصك الكريم .

الهـدهـد ...